من ضجيج عواصم العالم الى سَكيِنة بيت من الطين والقش
معا_ تقرير كريم عساكرة وبسام ابو عيد _لا يكاد المرء يصدق عينية عندما يرى ذلك المبنى القديم المرمم بالطين وما زال يحافظ على هيئته الأولى، يعج بالزائرين القادمين من مختلف أنحاء العالم، كي يشاهدوا بأم أعينهم ما تتعرض له منطقة الأغوار في فلسطين من مخططات احتلالية ترمي الى السيطرة على الأرض وطرد سكانها الأصليين منها إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال التضييق عليهم.
بيت الصداقة والتضامن” هو الإسم الذي اطلق على أقدم مبنى عرفته منطقة الأغوار والذي يعتقد أنه يعود الى العهد العثماني وقد انشئ كعيادة صحية، ومع مرور الوقت هجره الناس وبدأت معالمه تتلاشى، إلى أن جاءت حملة “انقذوا الأغوار” وقامت بشرائه من أناس وضعوا ايديهم عليه، وبجهد المتطوعين تمت اعادة ترميميه ليكون في غضون عام، مقصدا لحركات التضامن ومقرا رئيسيا للحملة .
هذا المكان البسيط الذي تتجلى فيه كل صور البدائية بدءا من بنائه المعتمد على قوالب الطين المجبول بالقش، والمسقوف بسعف النخيل وصولا إلى الفرن التقليدي وموقد النار والجلسة البسيطة، بات يستهوي المتضامنين الاجانب امثال روزا (25 عاما) من بريطانيا، والتي لم تستطع الابتعاد عن “منزلها” كما تسميه أكثر من اسبوع لتعود اليه ثانية معبأة بالنشاط والحيوية لمواصلة عملها في مؤازرة ودعم صمود الفلسطينيين في اراضيهم.
روزا في زيارتها الثانية لفلسطين منذ 3 أشهر تقيم في “بيت الصداقة” وتعمل مع رفاقها من فلسطينيين وأجانب من جنسيات مختلفة، تقول إنها سمعت وقرأت عن الأوضاع في فلسطين ولكنها في نهاية الأمر قررت أن تأتي لترى بام عينيها الواقع.
وتبدي عدم رضاها للواقع الصعب الذي يعيشه أهالي الأغوار، فاسرائيل تسيطر على غالبية الاراضي وتحولها الى مستوطنات ومناطق للتدريب العسكري، واعدة بأن تنقل هذه المعاناة للبريطانيين.
وروزا هي واحدة من ستة متضامنين بريطانيين اقتحموا خلال الحرب الاسرائيلية على غزة أواخر عام 2008 مصنع “سماش ايدو” للسلاح في بريطانيا، وحطموا اجهزة ومعدات داخل المصنع تقدر بنصف مليون دولار، وتعرضوا للسجن والمحاكمة بسبب هذا العمل.
وعن هذه التجربة تقول إنها وقفت في المحكمة البريطانية وقالت إنه لا يوجد قانون يعطيكم الحق بصناعة الأسلحة وبيعها لقتل الأطفال في غزة، حيث أقرت المحكمة في نهاية الأمر قانونية ما عملوه باعتبارهم أشخاصا تأثروا بالمشاهد المأساوية من قتل للأطفال في غزة وجاءت ردة فعلهم طبيعية.
وتنضم روزا لحملة تدعو أصحاب المتاجر في بريطانيا إلى مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية وخاصة منتوجات المستوطنات، وتقوم أثناء عودتها الى بلادها بتوزيع منشورات على أصحاب المتاجر والبقالات توضح لهم فيها أن التعامل مع منتوجات المستوطنات يساهم في توفير السلاح لقتل الفلسطينيين.
النار المصدر الوحيد لطهي الطعام في هذا البيت
وفي داخل “بيت الصداقة والتضامن” يتواجد “كوين” (22 عاما) من بلجيكا، وهو طالب حضر منذ ثلاثة أسابيع الى فلسطين وامضى عدة ايام في البيت “البدائي” يمسك بجهاز الكمبيوتر المحمول ويوثق ويكتب كل ما يشاهده ويعرفه عن الاوضاع في فلسطين.
يقول “كوين” إن بحثه عن التنمية والتطوير في الأغوار، ولكنه اكتشف عدم وجود تنمية او تطوير في هذه المنطقة التي يفرض عليها الاحتلال سياسة صعبة ومقيدة للفلسطينيين.
ويعد كوين أن ينشر نتائج بحثه في بلجيكا ويتصل بكل المؤسسات المعنية بالتنمية والتطوير ويعقد المؤتمرات لكي يوصل الواقع لكثير من البلجيكيين الذين لا يعرفون حقيقة الوضع في فلسطين، كما أنه سيعمل على إقناع آخرين لزيارة المنطقة والإطلاع على الأوضاع فيها.
الشاي عقب وجبة الغداء على النار أيضا
ويتواجد في “بيت الصداقة والتضامن” العديد من الأجانب من بينهم خورخي من كولومبيا وصوفي من بلجيكا وناشطة من الارجنتين طالما رفعت أصابعها ملوحة بشارة النصر، والى جانبهم عدد من المتطوعين الفلسطينيين من بينهم رشيد وميلاد وسيرين من طوباس.
سيرين (22 عاما) من قرية بردلة في طوباس، تعمل كمتطوعة في حملة “انقذوا الاغوار” منذ عامن ونصف، وهي تضلع بدور هام في منطقتها، فكل يوم يتوزع الناشطون على عدة مواقع في شمال ووسط وجنوب الاغوار، فهناك مهام عديدة يقومون بها حيث يتوجه المتطوعون العرب الى أربع مدارس اقيمت في خيام لتعليم الاطفال في مناطق “C” التي تمنع اسرائيل البناء فيها، بينما يتوجه متضامنون أجانب للمشاركة في بناء مدرسة في رأس العوجا من القوالب الطينية المجبولة بالقش والمنشفة في الشمس، ستحمل اسم المتضامن الايطالي “فيتوري اريغوني” الذي قتل في غزة مؤخرا، وذلك بعد أن تم أخذ الموافقة من عائلته.
ومن بين المهام التي يقوم بها المتضامنون التوجه الى المناطق التي يهدم فيها الاحتلال منشآت السكان واعادة بنائها، فعلى سبيل المثال هدم الاحتلال قبل اسبوع خربة “سمرة” الواقعة بين مكحول وعين الحلوة في الاغوار، وعلى الفور هب المتضامنون الى هناك ليعيدوا البناء وايواء الاهالي المشردين من بيوتهم
استوقفنا اسم عين الحلوة خلال حديث سيرين معنا، فبادرنا بالسؤال عن وجه الشبه بينها وبين عين الحلوة في لبنان، لنعلم بعد ذلك أن هذه التسمية جاءت نسبة الى نبعة عين الحلوة التي لا يبعد عنها المواطنون سوى 20 مترا ولا يستطيعون الوصول اليها او الشرب من مياهها بسبب سيطرة المستوطنين عليها.
“بيت الصداقة والتضامن” استقبل منذ اكتمال ترميمه قبل 10 اشهر تقريبا 5 الاف متطوع ومتضامن من مختلف دول العالم، جاؤوا ليتضامنوا مع الشعب الفلسطيني ويلموا بمعاناته، وكان لهذا البيت وقع عجيب في نفوسهم حيث البساطة التي توحي بالتجرد من مؤثرات الحياة وتوفر لهم صفاء الذهن والتفكير.
بيت الصداقة من الخارج
العدس هو الوجبة الرئيسية اليومية وعلى المتضامنين ان يتعلموا الطهي على النار، وكم كان الشاي اصيل المذاق عندما رقص فوق النار الموقدة باخشاب الشجر من تحته، وكم هو الجو جميلا داخل البيت رغم حرارة الأغوار فالطين التي بني منها توفر الدفء في الشتاء والبرد في الصيف، وكانها تعمل على نظام تكييف معد وفق أحدث الطرز.
وإلى جانب ما عرفناه من مزايا هذا البيت، إلا أن هناك ما هو ابعد من ذلك ففتحي خضيرات رئيس حملة “انقذوا الاغوار” وقف أمامنا مشيرا بيده الى ما ذهلنا لرؤيته للوهلة الاولى ليقول عن اقدم بيت شيد في الاغوار ما زال باقيا شامخا يشهد على بقاء أهله وليقول لا للاحتلال ومخططاته الرامية للقضاء على الوجود الفلسطيني في هذا البقعة الهامة من ارض فلسطين.
وتشكل الاغوار ما نسبته 29.5 بالمائة من مساحة الضفة الغربية تسيطر اسرائيل على اكثر من 95 بالمائة منها وتقيم عليها 36 مستوطنة يقطنها اكثر من 6400 مستوطن، إضافة الى عشرات مواقع التدريب العسكري وحقول الالغام، بينما يضمحل عدد الفلسطينيين فيها بفعل سياسات التهجير المباشر وغير المباشر تحت وطأة قهر الاحتلال فبعد أن بلغ العدد 300 الف تراجع الان ليصل الى 56 الف فلسطيني.
الزميل كريم عساكرة غادر وبقي البيت يروي حكاياته
ويتذمر سكان الاغوار من قلة الدعم المقدم لهم، خاصة على صعيد البنية التحتية وتوفير الدعم لأسعار الأعلاف ودعم المزارعين، إضافة الى عدم قدرة المؤسسات الدولية والأجنبية من تنفيذ مشاريع في الاغوار لممانعة إسرائيل لذلك كما حدث لدى العديد من المؤسسات التي فشلت حتى في ايصال المياه لتجمعات بسبب رفض الاحتلال.
ولحارس البيت أيضا نصيب