الميتة (الأغوار) 13-6-2012

كل شيء ساخن جدا هذه الظهيرة.. والغور الشريط الغائر شرق الضفة الغربية مكان لا يحتمل للوقوف فيه تحت أشعة الشمس مباشرة، لكن أبناء البدوي عيد الزواهرة يركضون حفاة فوق تلة نحو برميل ماء شق نصفين، لتبريد أجسادهم. فلا أجهزة تكييف ولا حتى مراوح تعمل على الكهرباء في نزل العائلة المقام على تلة تضربه الرياح الساخنة من كل اتجاه.

‘نار’. صاح الرجل ‘نار’. ويحمل الأطفال الخمسة الماء الملوث ببعض روث المواشي بأكفهم ويرشقون وجوههم ، إنه الغور صيفا. الحرارة فيه مثل وغز الإبر ، باب من أبواب جهنم مفتوح هنا’ قال احد الرجال الواقفين في وسط مرعى، وصاح على الأطفال للعودة مرة أخرى للنزل بعيدا عن أشعة الشمس العمودية.

وتعيش منطقة الغور وهي المنطقة الواسعة التي يسكنها عدد قليل من السكان، جزء منهم يتنقل من منطقة إلى أخرى أسوء وضع مائي وفي النهار يتردد صدى أصوات محركات جرارات زراعية تنقل المياه في صهاريج عبر طرق ترابية قريبة من النزل الخيشي.

واقفا على أعلى نقطة من التل الذي يشرف على أودية جافة تحيط به، حذر الزواهرة الأطفال من تبذير المياه الموجودة في الصهريج.

كان الغور الحار الجاف مصدرا للماء، لذا كان يمكن أن يكون بابا واسعا للاستثمار في كل شيء، لكن ما حدث هو العكس، يهجر الناس المنطقة، بسبب شح مياهها.

فإسرائيل هي التي تسيطر على الأرض وتسيطر أيضا على مواردها الجوفية .

في المنطقة لا يصعب الوصول إلى سكان لا يشكون شح المياه في الصيف. ذاته عيد الزواهرة الذي يعيل عائلة كبيرة يقول إنه يحضر الماء من مصادر بعيدة عن مكان سكناه ، وكل الرعاة في هذه المناطق الجبلية الوعرة يفعلون الشيء ذاته. وكثير من الينابيع التي كانت تغذي المناطق بالماء جفت تماما.

وفي منطقة الميتة ذاتها خفت مياه الينابيع إلى حد كبيرا. فالأودية الصغيرة التي كانت تجر مياه الينابيع جافة تماما والهواء حار وجاف ويثور الغبار في الأفق ما يجعل الحياة أكثر صعوبة والرؤية محدودة.

ويشار إلى وقائع كثيرة قام خلالها الجيش الإسرائيلي بمصادرة صهاريج المياه من المضارب ووضعها في معسكر وفرض غرامات مالية على مالكيها.

واقفا أمام قطيع من المواشي قرب أهم روافد وادي المالح، قال عبد الرحمن خليل إن ‘الحياة تصبح صعبة يوما بعد يوم ، والرجل الذي يسكن على بعد 1 كيلومتر من الزواهرة يشاهد بام عينه أنابيب ضخمة تسحب المياه لمعسكر لقوات الناحل الإسرائيلية.

أي تناقض وتداخل في الحياة. حياة العالم الأول في مواجهة حياة العالم الثالث.انه ليس ظلم الطبيعة. انه الاحتلال ، فإسرائيل تضخ مبالغ مالية هائلة لتطوير زراعتها في المنطقة واستغلال كل نقطة مياه فيها.

   إن منطقة الأغوار مليئة بالمشاريع الإسرائيلية، الصناعية والزراعية، و كثير من الضباط الذين ينهون خدمتهم في الجيش الإسرائيلي يذهبون كمدراء عامين لهذه الشركات برواتب تصل إلى عشرات ألوف الدولارات لكي يعملوا فيها، لذلك عندما نتحدث عن الأمن أو يتحدثون عن الأمن يقولون إن نهر الأردن خط أحمر، لماذا؟، والحقيقة ليس من ناحية أمنية ولكن بصراحة لأنها قضية استغلالية .

 إن كل ما تقوم به إسرائيل هنا له هدف واحد هو ‘إفراغ المنطقة من سكانها والسيطرة عليها’. يردد المعنى ذاته الزواهرة ورعاة آخرون في المنطقة.

من على بعد تظهر مضارب الزواهرة مثل مشهد حي في مسلسل تلفزيوني: مبان خيشية صفراء مفتوحة للهواء الساخن وحول التلة جبال عالية. وجفاف الأرض أقوى المشاهد ، وفي المساء توفر قمة التل فرصة مواتية للاستمتاع بالهواء الرطب. وميض أضواء برتقالية في معسكر الجيش القريب يعطي انطباعا عن تناقض الحياة.

لكن إذا اقتربت أكثر من المضارب تبدو الحياة اقل جاذبية. أراض كافرة تتناثر فيها الحجارة الصلدم. الكثير من عبارات الشكوى.. ولا شيء غير محاولة الحياة بالقوة.