الأغوار الفلسطينية وسياسة النهب والعزل والتهجير
تعتبر منطقة الأغوار جزءا من حفرة الانهدام الأفرو آسيوية وهي من أكثر بقاع الأرض انخفاضا. وتقع على أنخفاض حوالي 380 م تحت سطح البحر .
وتمتد الأغوار الفلسطينية على الجهة الشرقية للضفة الغربية :من عين جدي (البحر الميت) جنوبا إلى ما يعرف ب ” تل مقحوز”على حدود بيسان شمالا داخل الخط الأخضر . ومن نهر الأردن شرقا حتى السفوح الشرقية للضفة الغربية للأغوار غربا . وهذه المنطقة تشكل حوالي 28.5% من مساحة الضفة الغربية (2400 كم مربع).
تتميز منطقة الأغوار بأهميتها الاستراتيجيه والحيوية بالنسبة للفلسطينيين ، فحدودها مع الأردن تعتبر المتنفس الوحيد للدولة الفلسطينية المستقبلية ، وتشكل بداية للتواصل الفلسطيني العربي ومنفذا وحيدا للتنقل والتجارة مع الشرق الأوسط وبقية دول العالم .ولعل موقعها الجغرافي المميز الذي يضم البحر الميت ومدينة أريحا التاريخية (5000 سنة قبل الميلاد) ونهر الأردن ، وطبيعتها المناخية الفريدة … كل ذلك يجعلها محطة بارزة لاجتذاب السياح من كافة أنحاء العالم ومركزا للصناعات الاستخراجية والتحويلية .
تعتبر منطقة الأغوار سلة الغذاء للدولة الفلسطينية المستقبلية فمساحاتها الشاسعة ، وتربتها الخصبة ،ومصادر مياهها الوفيرة تجعل بالامكان الاعتماد على الزراعة معظم أشهر السنة .كما تعتبر الأغوار مصدر دخل سياحي رئيسي بعد القدس المباشرة نظرا لوجود العديد من المعالم التاريخية والحضارية فيها ،فغور الأردن غني بالموارد المعنوية والبحر الميت واحد من أغنى هذه المصادر في العالم ، حيث توجد في المنطقة كميات هائلة من كلوريد البوتاسيوم والصوديوم والماغنيزيوم والكالسيوم والرومين تقدر ب ملايين الأطنان ،وتبلغ نسبة الملح في مياه البحر الميت حوالي 30% ، ومن هنا فأن الأغوار بموقعها ومصادر مياهها وأراضيها الزراعية وثرواتها المعدنية والسياحية تشكل الانطلاقة الأولى لبناء اقتصاد فلسطيني مستقل .لكن استهداف الاحتلال لها منذ عام 1967 وإحكام قبضته عليها وإبقاء المساحة العظمى منها تحت السيطرة الإسرائيلية ومن ثم عزلها بالجدار والحد من الوجود الفلسطيني فيها من خلال ممارسة سياسة وقف التطور السكاني والنمو العمراني ومصادرة الأراضي وإغلاقها .. كل ذلك قد شكل عائقا أمام النمو الاقتصادي الفلسطيني والتواصل مع التجارة الدولية وأصبح ينذر بطمس الوجود الفلسطيني في تلك البقعة الفلسطينية الحيوية .
مظاهر الضم
سيطرت سلطات الاحتلال على شريط الغور المحاذي للأردن منذ أول يوم لاحتلالها الضفة الغربية لاعتبارات أمنية فهذا الشريط هو صلة الوصل مع العالم العربي ناهيك عن أهميته الاقتصادية .وعليه فقد انتهجت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خططا عديدة لإخضاعه وإحكام السيطرة عليه وتمثلت هذه الخطط بعزل الشريط الحدودي مع الأردن بعمق 1_5 كم وترحيل آلاف السكان الفلسطينيين من مناطق الزور والكتاير إلى الجهة الشرقية من النهر . وقد اعتمدت إسرائيل هذا النهج واستمرت في تنفيذ سياسة عزل مناطق الأغوار عن الجسم الفلسطيني حتى يومنا هذا .
وقد تجلت أكثر مظاهر الضم والتوسع في الفترة التي أعقبت القرار الإسرائيلي الأحادي الجانب بإخلاء مستوطنات قطاع غزة عام 2005 ، حيث اتجهت سياسات الاستيطان الإسرائيلية باتجاه الأغوار كونها منطقه خصبة و مشجعة على الاستثمار على المدى البعيد خاصة وأن هناك مساحات واسعة من الأراضي ومصادر وفيرة للمياه . لذلك ازداد عدد المستوطنات الى 36 مستوطنة تضم ما يزيد عن 6200 مستوطن .
وكان رئيس وزراء اسرائيل السابق اريئيل شارون قد أعلن عام 2003 عن قراره انشاء “جدار شرقي” على امتداد الأغوار يمتد بطول 300 كم من جبال” جلبوع ” شمال غرب الأغوار حتى جنوبي جبل الخليل مرورا بشرقي مدينة القدس .وانسجاما مع هذا الاعلان ،تولى المجلس الوزاري المصغر الخطة التي وضعها وزير الزراعة كاتس لتعزيز الاستيطان في غور الأردن ، وقرر استثمار 145 مليون شيكل بين السنوات 2006_2008 بذريعة تطوير الزراعة . وبموجب ذلك تبنى المجلس مشروع تشجيع الأزواج الشابة على السكن في غور الأردن . ويتضمن القسم الأول من الخطة تنمية الغور على المستوى الزراعي والانتقال الى المجال السياحي فيما بعد ، كما تتضمن الخطة أيضا توزيع أراضي غور الأردن على المستوطنات الاسرائيلية وخاصة الأراضي التي كانت تحتلها معسكرات الجيش وأخليت فيما بعد . تابعت اسرائيل اتخاذ اجراءات جديدة تهدف من خلالها الى فصل منطقة الأغوار الفلسطينية عن الضفة الغربية والحد من الوجود الفلسطيني في المنطقة لفرض أمر واقع قبل تنفيذ خطوة أحادية الجانب محتملة في الضفة الغربية لن يكون غور الأردن مستثنى منها .
فبعد احكام القبضة على الأغوار بدأت باجراءات الحد من التواجد الفلسطيني في المنطقة وتقييد التنقلات من خلال فصل المنطقة فصلا شبه كامل عن سائر الضفة الغربية ، خاصة وأن الجدار الشرقي الذي خططت اسرائيل لبنائه على امتداد الحدود الغربية لغور الأردن جمد حينئذ بسبب الانتقاد الدولي الشديد في أعقاب القرار الصادر عن محكمة العدل العليا في يونيو 2004 . ومن ثم تحاول اسرائيل الاستعاضه عن ذلك بتنفيذ سلسلة من الاجراءات تحقق الهدف وهو فصل منطقة الغور عن سائر الضفة الغربية ، فالجدار الذي خططت اسرائيل لاقامته يعتبر قائما من ناحية عملية بفعل الحواجز الترابية والخنادق ونقاط التفتيش والمعسكرات والمستوطنات ومناطق التدريب العسكرية .
كما تحاول اسرئيل حشر الفلسطينيين”في المناطق التي عرفت حسب أوسلو ” A , B,C””
داخل معازل كما هو الحال في مدينة أريحا المحاصرة من جميع الجهات “.
الجدول التالي يبين تصنيف المناطق حسب أوسلو :
التصنيف |
الوصف |
المناطق |
مساحة الأغوار 2400 كم2 |
% من مجموع المساحة |
A |
منطقة سيطرة أمنية ومدنية فلسطينية |
أريحا ، العوجا |
83 كم |
3.54 % |
B |
منطقة صلاحية مدنية فلسطينية وصلاحية أمنية إسرائيلية |
عين البيضا ،بردلة،فصايل،مرج نعجة ، الزبيدات ، النصارية. |
50 كم |
2.08 % |
C |
تحت سيطرة مجالس المستوطنات الإقليمية |
36 مستوطنة |
1200 كم |
50 % |
مناطق مغلقة |
الشريط الحدودي ، معسكرات جيش ، مناطق بيئية . |
1065 كم |
44.37% |
|
تحت السيطرة الفلسطينية |
135 كم |
5.62 % |
||
تحت سيطرة الاحتلال بشكل كلي ومباشر |
2265 كم |
94.37% |
ومع أنه يمكن للسكان الفلسطينيين في المناطق المصنفة (C) أن يستغلوا بعضا من أراضيهم زراعيا رغم قلتها ، الا ان سلطات الاحتلال تمنع أي تطوير للبنية التحتية في هذه المناطق كاستصلاح الأراضي وشق الطرق الزراعية ومد خطوط المياة ، وأكثر من ذلك تقوم بالهدم والمصادرة ومنع الترميم للمباني والمنشات مما يهدد بقاءها في كثير من الأحيان . وفي المقابل تواصل سلطات الاحتلال توسيع المستوطنات واقامة البنية التحتية لخدمة المستوطنين في المنطقة .